U3F1ZWV6ZTUwNDI4NTQwODIxODEzX0ZyZWUzMTgxNDY4NDE0OTg0Nw==

تطبيق قواعد النسخ-02

   

تطبيق قواعد النسخ

(2/9)

١- موضوع القبلة

قيل أن الآية﴿ فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾(١١٥-٢) نسخها قوله تعالى﴿وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾ (١٤٤-٢)

تفسير: ليس بين الآيتين نسخ لأن أولا: الآية الأولى تخبر عن صفة من صفات الله الموجودة في كل مكان وكل جهة. فلا يمكن نسخ صفة من صفاته تعالى.ثانيا: ليس في الآية أمر كما هو واضح في الآية الثانية. فهل حدث في زمان النبي أن المسلمين ولوا وجوههم إلى أي مكان في صلاتهم تطبيقا للآية ؟ بالطبع لا. والآية إخبارية والخبر لا ينسخ. وذكرت في القرآن للرد على أسئلة مختلفة: منها استنكار اليهود في زمان النبي لما ولاه الله عن القبلة الأولى، ومنها أيضا الرد على أسئلة الذين عميت عليهم القبلة سواء في ظلمات البر أو البحر أو حتى في الفضاء. فالقرآن كلام الله لكل البشر حتى قيام الساعة.

ملاحظة: النسخ الحقيقي الذي وقع فعلا في موضوع القبلة هو كالتالي: كان الله قد أمر نبيه باستقبال بيت المقدس، لكن ليس في القرآن الذي بين أيدينا آية تأمر بذلك وإنما آية إخبارية فقط عما وقع في الماضي وهي قوله ﴿ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ... ﴾(١٤٣-٢) وقوله أيضا ﴿سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ﴾(١٤٢-٢) فنزلت آيات تنسخ حكم استقبال بيت المقدس. ونسخ الله بآياته أمرا لم يذكره في القرآن. فلا يوجد إذن منسوخ الحكم مع بقاء التلاوة في موضوع القبلة.

٢- موضوع الصيام

الآية الأولى﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (١٨٣-٢) أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ﴾(١٨٤-٢)

الآية الثانية﴿ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ﴾(١٨٥-٢)

قيل إن صوم رمضان نسخ الصيام الأول صيام الأيام المعدودات. باتفاق العلماء والأمة الإسلامية.

تفسير: لو افترضنا أن صوم رمضان لم ينسخ صوم الأيام المعدودات لكنا سنصوم هذه الأيام ( ثلاثة أيام من كل شهر كصيام من كانوا قبلنا ) وأيضا شهر رمضان لأن فيه نزل القرآن مع جواز الفدية للصحيح المقيم في صوم الأيام المعدودات وعدم جوازها في صوم رمضان. لكن نسبة احتمال وقوع النسخ هنا كبيرة جدا لأنه يحترم كل القواعد:

١- ليس في الآيات تراجع في كلام الله. لما نُسخ الصوم الأول أصبح ما كتب على المؤمنين من الصيام هو صيام رمضان فأصبحوا يصومون كالذين من قبلهم وأصبحت الأيام المعدودات هي أيام شهر رمضان.

أما بقية الآية﴿ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين ﴾ فهي خاصة بالمسلمين الأوائل في الإسلام وبالصيام الأول الذي نُسخ. وعلى المسلمين أن يتركوها لأن لا يمكن لهم العمل بها. أما صيام رمضان فلم يجوز الله فيه الفدية على الذين يطيقونه. وهكذا نصل إلى يقين بعدم العمل ببقية الآية الأولى. واليقين هو المهم في مسألة الناسخ والمنسوخ. ونقول أن معنى الآية تغير وتلاءم مع الحكم الجديد الذي في الآية الثانية.

٢- اتفاق كل العلماء على أن صوم رمضان نسخ الصوم الأول. وأجمعت الأمة الإسلامية على التخلي عن فرض صيام ثلاثة أيام كل شهر إلا من تطوع.

٣- الأحاديث النبوية والروايات تؤكد أن الصوم المفروض هو صوم رمضان. منها سؤال جبريل عليه السلام عن الإسلام والإحسان. ومنها الأعرابي الذي سأل رسول الله عن أمور الإسلام فقال عن الصوم: أخبرني ما فرض الله علي من الصيام ؟ فقال شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا ( وهو حديث عن طلحة بن عبيد الله المبشر بالجنة ) ومنها حديث أبي هريرة » إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها«

ملاحظة:

١- قيل أن الآية﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ﴾ نسخت قوله تعالى ﴿وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين﴾ والصواب هنا هو أن نقول أن صوم رمضان هو الذي نسخ الصيام الأول بما فيه نوعية الأيام والفدية لمن يطيق الصيام ... الخ.

٢- قيل أن الآية﴿ أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم ﴾(١٨٧-٢) نسخت قوله﴿ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ﴾ نقول لا يمكن لحكم جزئي ( وهو إباحية الرفث إلى النساء ليلة الصيام ) أن ينسخ حكما عاما الذي هو هنا صوم كصيام الذين من قبلنا، وهو ثلاثة أيام من كل شهر وعدم الرفث إلى النساء ليلة الصيام قيل بعد النوم ... الخ. أما الآية﴿ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ﴾ فنُسخ معناها العام بصوم رمضان لكن الآية لم تنسخ بل أخذت معنى الحكم الجديد كما قيل في الفقرة السابقة. وكلمة " كتب عليكم " دون قيدها بزمن محدد لها صيغة أبدية لا يمكن أن تنسخ. وذلك كقوله﴿ كتب ربكم على نفسه الرحمة ﴾(٥٤-٦). وأخبر بشروط رحمته: كلما توفرت في عبد من عباده رحمه.

٣- في موضوع الإنفاق والصدقة والزكاة

٣أ- الآية الأولى: قال تعالى﴿ يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾(٢١٥-٢) قيل هذه الآية نسختها آية الزكاة﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ﴾(٦٠-٩) والقول بالنسخ هنا خطأ واضح.

تفسير: الآية الأولى (٢١٥-٢) تخاطب الأفراد وتبين لهم أن الإنفاق يكون على الوالدين أولا ثم الأقربين ( وهم الزوجة والأبناء ثم الإخوة كما يتبين في آية المواريث﴿لكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون﴾(٣٣-٤) ثم اليتامى والمساكين وابن السبيل. والقرآن لم يقتصر على هؤلاء بل ذكر أيضا الإنفاق على ذوي القربى بصفة عامة وكل سائل وكل محروم والأسرى والإنفاق في سبيل الله...الخ ( أنظر فصل الإنفاق ٨١-١٩). ولو كانت الآية الأولى منسوخة لتركنا العمل بها وامتنعنا عن الإنفاق على الوالدين والأقربين. وبالتالي القول بالنسخ هنا غير معقول.

أما الآية الثانية (٦٠-٩) فتخاطب أولي الأمر وكل من سيزكي ماله. لذلك ذكر سبحانه" الصدقات" بالجمع لأن يجب جمعها وهي الزكاة. وهي غير الإنفاق الواجب على الوالدين والأقربين وغير صدقة التطوع. وآية البر في سورة البقرة جمعت بين الزكاة وصدقة التطوع﴿ وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة ﴾(١٧٧-٢) فلا يمكن أن تنزل آية ينسخ بعضها بعضا.

٣ب- الآية الثانية: قيل أن الآية﴿ ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ﴾(٢١٩-٢) نسختها آية الزكاة. وهذا أيضا خطأ. فإضافة إلى ما قيل عن الزكاة في الفقرة السابقة ٣أ فالآية (٢١٩-٢) تحث المسلم على أن ينفق الفضل من ماله. وتنطبق على صدقة التطوع وعلى الزكاة وتبين منطق الإسلام في الإنفاق والدرجة الأدنى فيه. أما أعلاها فهي قوله تعالى﴿ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾(٩-٥٩) فالمؤمنون ينفقون في السراء والضراء (فصل الإنفاق ٨١-٧ب). ولو كانت الآية منسوخة لامتنعنا عن الإنفاق من العفو.

٣ت- الآية الثالثة: قيل أن الآية﴿ وآتوا حقه يوم حصاده ﴾(١٤١-٦) نسخت بالزكاة. وهذا خطأ ﻷن الآية تفصيلية لأمر الزكاة وتأمر بإخراجها أيضا عن المحاصيل الزراعية وقت الحصاد.

٣ث- الآية الرابعة: قيل أن الآية﴿ وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ﴾(١٩-٥١) نسخت بالزكاة.

خطأ أيضا ﻷن الزكاة هي أيضا حق للسائل والمحروم. وهو معلوم في الزكاة كما في اﻵية ﴿ والذين في أموالهم حق معلوم (٢٤-٧٠) للسائل والمحروم ﴾(٢٥-٧٠) ولو كانت الآية منسوخة لما كان عند المؤمنين حق للسائل والمحروم.

٣ج- الآية الخامسة: قيل أن الآية﴿ وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ﴾(١٠-٦٣) نسخت بالزكاة. وهذا خطأ لأن الآية عامة وتقصد كل إنفاق كيفما كان زكاة أو صدقة تطوع أو قرضا لله ...الخ. وتحث على تعجيل الإنفاق قبل حضور الموت. ولو كانت الآية منسوخة لما أنفق المؤمنون مما رزقهم الله ....

٣ح- الآية السادسة:﴿ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ﴾(٣٤-٩) قيل نسخت بآية الزكاة. وهذا خطأ لأن الآية إخبارية والخبر لا ينسخ.

٣خ- الآية السابعة: قال تعالى﴿ وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم ﴾(٣٦-٤٧) قيل هذه الآية نسخت بالتي تليها﴿ إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ﴾(٣٧-٤٧) وقيل هاتان الآيتان منسوختان بالتي تليهما ﴿هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ﴾(٣٨-٤٧)

تفسير: ليس بين الآيات نسخ.وقوله تعالى﴿ ولا يسألكم أموالكم ﴾ لا يقصد ما هو مفروض كالزكاة والإنفاق على الوالدين والأقربين مثلا وإنما الإنفاق في سبيل الله دون فرض مقدار معين كالزكاة. وسؤال الله لعباده فرض عليهم. لذلك لم يسألهم رحمة بضعفهم وحبهم الشديد للمال. فأخبرهم فقط عن طبيعتهم لا لنسخ ما سبق﴿ إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ﴾ أما الآية (٣٨-٤٧) فهي دعوة في بعض الظروف وليس سؤالا. فدعاهم الرسول للإنفاق في سبيل الله كل حسب استطاعته. وإن تولى المسلمون حتى عن هذه الطريقة في الدفع .... ﴿ وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ﴾(٣٨-٤٧)


   





تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة